بقلم ابراهيم صريح من منا ، نحن جيل الستينات والسبعينات ، لا يتذكر تلوحت ومن منا ليست له ذكرى مع هذه الخشبة العجيبة في تمزكيدا . تعتبر تلوحت الوسيلة التعليمية الوحيدة في تمزكيد ، ولابد لكل طالب ” أمحضار ” من تلوحت خاصة به . وتلوحت هذه تصنع من الخشب ويمكن الحصول عليها عند النجار او تشترى من السوق أو يأخذ الطالب الجديد تلوحت الطالب القديم الذي غادر تيمزكيدا . وتكون بحجم cm30 عرضا وcm40 طولا وفيها ثقبة من الاعلى يدخل فيها خيط تعلق به . وفي كل صباح يتوجه الطالب الى الفقيه ليكتب جزء من القران الذي سيحفظه وذلك بواسطة القلم من قصب ( أغانيم ) والمداد ( الصمغ ) وهو مداد خاص يصنع من طرف الطالب نفسه ، وأنا شخصيا ـ ابراهيم صريح ـ قمت باعداد هذه المادة أكثر من مرة ، وعلى ما أذكر يصنع من الصوف الذي يوضع في اناء فوق النار الى ان يحترق ويصبح صمغا . وعندما يتناول الطالب لوحته من الفقيه يتوجه الى ” الحضار ” وهو مكان الحفظ وهناك ترتفع الاصوات وتختلط ، ويختلط ( الحمدو د قل هو الله ) ، فيدب النوم الى بعض الطلبة وتبدأ رأسه تتمايل وفجأة يحس بضربه بعصا الفقيه فيستيقظ من سباته ويعود لقراءته . وترى الذباب يحوم حول الطلبة فيختلط طنينه بأصواتهم ، انها لحظات رائعة أتذكرها وأنا أكتب هذه المذكرات ، ومما لا زلت أذكره أننا كنا نضع علامة على الارض او على الحائط لنحدد وقت الخروج ، فاذا بلغ الظل تلك العلامة يكون وقت الخروج قد وصل . و هنا يحمل كل طالب لوحته وينتظر دوره لاستظهار ما حفظه ، كم كانت تلك اللحظة صعبة ، فكاننا نجتاز الصراط المستقيم ، فمن لم يحفظ يكون فريسة لقرصات ” ابينيز ” الفقيه ، وكم كانت مؤلمة. وعندما يتجاوز الطالب هذه المرحلة بنجاح ، يضع لوحته جانبا ويلوذ بالفرار. وفي الصباح الموالي يقوم الطالب بغسل لوحته من ” تافزا ” وهو حوض صغير ، ولابد من استعمال مادة ” الصلصال ” وهو نوع الصخور الكلسية السريعة التفتت ، وأذكر أننا كنا نجلبها من مكان يسمى “تيودين “. وبعد غسل اللوحة يتوجه الطالب الى الفقيه لكتابة جزء جديد وهكذا دواليك . أما اليوم فقد اختفت تلوحت و واختفى الطلبة وغابت تلك الاصوات الرائعة التي كان صداها يتردد في كل جبال القرية حيث يشع الايمان والتقوى ، فنسينا الصمغ والصلصال والكراج وغيرها من الادوات المدرسية البسيطة والتي بفضلها تعلم الكثيرون وتسلقوا الدرجات . ولا يفوتني هنا أن أدعو بالرحمة لجميع الفقهاء الذين تعلمنا على أيديهم الاحياء منهم والاموات.