الكرم والجود من الجدود
ابراهيم صريح
من القيم الاجتماعية التي اشتهرت بها قرى سوس عبر التاريخ، إكرام الضيوف وإغاثة الملهوف ، فلم يكن عابري السبيل من التجار والمتسولين وغيرهم يجدون حرجا في اللجوء إلى إحدى القرى طلبا للأكل والشرب أو التماسا للمأوى والمبيت ، ولم يكن أهل القرى يترددون في استقبال هؤلاء الضيوف وإكرامهم وحسن وفادتهم ، ولم يكن الهاجس الأمني حاضرا في ذهن أي طرف ، فلا أهل القرى يبدون تخوفهم من هؤلاء الغرباء ، ولا هؤلاء الضيوف يضمرون الشر والمكائد لمستضيفيهم، إنها الثقة المتبادلة وحسن النية .
وليس غريبا أن نرى أهل القرى يخصصون بيتا للضيوف " تادواريت انكبيون " TADOUARIT INGBIOUNيكون دائما جاهزا لاستقبال الضيوف ، وغالبا ما يكون مستقلا عن المسكن حتى ينعم الضيوف بنوع من الحرية والاستقلالية .
وكان الامازيغ القدامى يتسابقون إلى استقطاب هؤلاء الضيوف وكل واحد يتمنى نيل شرف إيوائهم واستقبالهم ، ويتساوى في ذلك الميسورون والمتوسطون وحتى البسطاء ، لأنهم ألفوا ذلك وتربوا عليه وكما يقال " الجود من الجدود ماشي من الموجود ".
فالضيوف لا يشترطون على مضيفيهم ، وأهل الدار لا يدخرون جهدا في سبيل إرضاء نزلائهم ، فيعدون ما توفر لديهم من الطعام والأطباق ويقدمون ما خزنوه من عسل وسمن ولوز وغير ذلك من الملذات والشهوات ، مبتغين بذلك وجه الله تعالى الذي أوصى بإكرام الضيف وإيواء بن السبيل .
فيمكث الضيف ما شاء الله من الأيام والأسابيع ثم ينصرف معززا مكرما بعدما يِؤدي الدعاء لأهل البيت ويبادلونه التحية حاثين إياه على الرجوع مرة أخرى .
انه قمة الكرم والسخاء ، هكذا كان زمن النبوة والسلف الصالح وهكذا كان أجدادنا يحتفلون بالإنسان بغض النظر عن هويته وعرقه ولغته .
ولكن اليوم غابت مثل هذه القيم عن قرانا ، وغابت معها مظاهر الحفاوة وإكرام الضيوف ، وغلقت الأبواب والقلوب والأفئدة واختفى المعروف وقل الإحسان .