" تايري " بين جدلية الخفاء والتجلي
الحب من القيم الإنسانية الرفيعة التي تعبر عن نبل الأخلاق وسمو المشاعر ورهافة الأحاسيس، فهو الذي يمنح للحياة معنى وللإنسان ووزنا وقيمة.
والحب الحقيقي يتجاوز المعنى الضيق الذي يحاول بنو البشر حصره فيه إلى معاني روحية عظيمة تصل حد العشق والهيام وغيرها من المصطلحات التي تزخر بها قواميس المتصوفة والتي تصل إلى درجة الحلول والفناء في ذات الأخر .
غير أن نظرة الناس للحب تختلف من مجتمع لآخر حسب الأعراف والعادات والتقاليد والمعتقدات.
وإذا كانت كل المجتمعات تتفق على أن الحب هو الوصفة السحرية التي تؤلف بين القلوب وتضمن التعايش السلمي فإنها تختلف في التعبير عن هذه القيمة.
و المجتمع الامازيغي من المجتمعات التي تعتبر الحديث عن الحب ، في حضور الآباء وأولياء الامور ، أمرا محرجا ومربكا ،على الأقل الجهر به ، بل تعتبر ذلك منافيا للأخلاق وتمردا على القيم ووقاحة ، وهذا لا يعني أن هذا المجتمع لا يعرف الحب ولا يمارسه ولا يكتوي بنيرانه ، بل على العكس من ذلك فقصائد الشعراء الامازيغ حافلة بمقاطع عن الحب " تايري " منذ الحاج بلعيد الى أودادن وأرشاش غيرها من الاصوات الفنية الامازيغية ، كما يتجسد في اللقاءات الحميمية أو ما يعرف بظاهرة "الصقر "، ومن خلال بعد العادات والتقاليد " تدكات الحنا نتمغرا " وغيرها .
وفي هذا الإطار حاورت أنا ، ابراهيم صريح ، الكثير من الآباء والأمهات عن نظرتهم للحب وكلهم تحفظوا عن الحديث في هذا الموضوع باعتباره أمرا يخص المراهقين والشباب فقط ، أما الكبار فالحديث عن الحب عندهم يعتبر من قبيل التصابي وخروج عن الصواب والجادة .
والسبب الذي جعل الكثيرين يتخذون مثل هذه المواقف هو عدم إدراكهم للمعنى الحقيقي للحب إذ أن اغلب الناس يربطونه بالجنس ويحصرونه في هذا النطاق، في حين أنه أسمى من ذلك بكثير ، كما أن أغلبهم يحصر الحب في العلاقة بين الذكر والأنثى ، في حين أنه أوسع من ذلك وأشمل ، فيأتي في المقام الأول حب الله تعالى وحب أوليائه ,وحب الوالدين وحب الإخوة والأصدقاء وحب الخير للناس جميعا .
إن الفهم الخاطئ لمعنى الحب هوالذي جعله من الطابوهات في المجتمع الامازيغي ومن الخطوط الحمراء التي لا يجب تجاوزها.
لقد آن الأوان أن نغير الكثير من المفاهيم والأصح تصحيح نظرتنا إليها وفهمنا لها لأننا قد نخطئ في حق أنفسنا وغيرنا ونسيء فهم الآخرين ونصدر في حقهم أحكاما قد تكون جائرة وقاسية.
بقلم ابراهيم صريح