ذكريات الدراسة بايغرم خلال الثمانينات
يعتبر ايغرم نقطة عبور نحو الجنوب ، وهو إحدى البلدات الجميلة ذات الموقع الاستراتيجي الرائع ، انه نقطة التقاء عمالتي تارودانت وطاطا ، الشيء الذي منح هذه البلدة روعة وبهاء حيث جمعت بين خضرة سوس وطراوتها وسحر الصحراء وطلاوتها .
و شاءت الأقدار أن يكون ايغرم قبلة لكثير من تلامذة آيت عبد الله والنواحي ، وذلك لمتابعة دراستهم الإعدادية والثانوية بعدما اجتازوا المرحلة الابتدائية بنجاح بآيت عبد الله .
لقد كانت لأيام الدراسة بايغرم نكهة خاصة وإحساس جميل لا يستلذه إلا من عاش تلك الأيام الجميلة ، ولا يعرف سره إلا من قضى بعض الأيام في دار الطالب " الخيرية " ، ذلك المكان الذي آوى الكثير من التلاميذ من اداوزكر واسافن وايت عبد الله واداوكنسوس وغيرها من المناطق المتاخمة لايغرم .
وسأحاول في هذا البحث ،أنا ابراهيم صريح ، أن أتذكر بعض تلك اللحظات الجميلة من أيام الدراسة بايغرم ، خلال الثمانينات ، معتمدا في ذلك على روايات بعض الإخوة والأصدقاء ممن عاشوا هذه التجربة وحكوا لنا بعض جزئياتها وتفاصيلها المشوقة مما جعلنا نفكر في كتابة هذه المذكرات .
إن الطريق من ايت عبد الله نحو ايغرم في بداية الثمانينات لم تكن معبدة ، ورغم أن المسافة بين المنطقتين تقل عن 60 كلم إلا أنها كانت صعبة وشاقة ، إنها طريق الجحيم كما يصفها بعض من استعملها في سفره .
لم يكن أمام تلامذة ايت عبد الله المتجهين نحو ايغرم ، سوى وسيلة نقل واحدة ، إنها شاحنة دادا لحس أوباها ، أطال الله عمره ، وإلا فان هؤلاء التلاميذ سيضطرون للمشي على الأقدام تلك المسافة كلها عبر الخميس اسافن وصولا إلى بوكوزول .
وللسفر عبر شاحنة لحس أوباها نكهة خاصة ، فقد كانت المدة التي تستغرقها هذه الرحلة أكثر من ست ساعات كلها معاناة وعذاب ومغامرات وطرائف خصوصا عندما تتعطل هذه الشاحنة ويضطر التلاميذ للمبيت بإحدى القرى بايداوزكر أو ابركاك أو غيرها .
كان التلاميذ يستقلون أعلى الشاحنة بينما البهائم تستقل أسفلها في جو تمتزج فيه المعاناة والألم والحزن مع الصبر والتحمل والأمل في النجاح والتفوق وتجاوز هذه المرحلة.
كان دا لحس أوباها ، مرة بعد مرة يتفقدنا ويتفقد البهائم ، بل يتفقد أرواحنا وقلوبنا الصغيرة هل لا زالت في أماكنها أم فارقت أجسادنا.
وحين نتجاوز اداوزكر ، تتراءى لنا جبال ايغرم شامخة بكبريائها وشموخها وكأنها تقول لنا حمدا لله على سلامكم من هذا السفر الطويل .
وعلى هضبة ايغرم تظهر إعدادية الارك وقد فتحت ذراعيها لأبناء آيت عبد الله وغيرهم من أبناء المناطق الأخرى ، و السيد وجهين سعيد مدير الإعدادية آنذاك في استقبال التلاميذ الوافدين .
وهكذا يبدأ موسم دراسي جديد بمغامراته وطرائفه وايجابياته وسلبياته ،
ويحل فصل الخريف ويبدأ موسم البرد والأمطار ، لم يكن البرد في ايغرم عاديا ، لقد كان استثنائيا ومهما قلنا عنه فلن نستطيع تصوير قساوته ، ويكفي أن نشير إلى أن الماء يجمد في الصنابير ، و الدماء تجمد في العروق فتشل حركة أيادي التلاميذ الصغيرة فتتشقق وتجف بشرة الوجوه وتحبس الأنفاس ، ويشتد الجوع فتنهمر الدموع ، فيتذكر الصغار عائلاتهم وبيوتهم وأحضان أمهاتهم الدافئة وخبزهن وقهوتهن .
كان العدس الذي يقدمه لنا الطباخ إبراهيم ازكري يوم الأربعاء مع خبزة غير كاف لرد جيوش الجوع التي تهاجم تلك البطون الصغيرة الجائعة ، فكان لابد من الاستعانة ببعض " السردين والطون " من السوق لسد الخصاص .
إن كل لحظة قضيناها بدار الطالب كانت لها حكاية وحكاية، إنها بيتنا الثاني أما التلاميذ فكانوا كأسرة واحدة، يجمع بينهم الود والإخاء والتعاون ولعل ذلك ما كان يساعدنا على تجاوز معاناة الغربة و نسيان حرقتها .
كان السيد القادري بجديته وصرامته نموذجا للمربي، وقد استطاع أن يمنح لدارالطالب هيبة وقدسية ومنزلة ، ويحافظ على الانضباط والنظام داخل ذلك المرفق .
أما حكايات الدراسة والأقسام والامتحانات والحراسة العامة ، فكانت من الذكريات التي لا تنسى ، والتي ستبقى شاهدة على تلك الأيام الرائعة ، وبالمناسبة لابد أن نحيي كل الأطر الإدارية و التربوية التي تعاقبت على إعدادية الأرك بأيغرم كما أوجه التحية لكل التلاميذ الذين مروا من هذه المؤسسة العتيدة كل واحد باسمه .
lمع تحيات ابراهيم صريح