تحدثنا في الحلقة السابقة عن الكميت رمز الشهامة والرجولة والقوة ، وسنتحدث اليوم عن أداة أخرى يتقلدها الرجل الامازيغي وترتبط بها ارتباطا وثيقا وتصاحبه في كل تحركاته ، انه ” أقراب ” ، وهو حقيبة مصنوعة من الجلد الطبيعي المزركش بخيوط من حرير و مربوط بمجدول من حرير أيضا أو قطن . وهذه الحقيبة تحمل أسرار الرجل الامازيغي فلا يقرب اليها احد ولا يطلع على محتواها غيره . وغالبا ما كانت تحتوي على النقود والوثائق المهمة كبطاقة التعريف وغيرها ، كما يمكن أن يشتمل على أدوات الحلاقة التقليدية من موسى وغيره ، فكلما أحس الرجل بشعره ينمو يخرج موسه ويبحث عمن يحلق ذقنه أو رأسه . وقد تطور تعامل الرجل الامازيغي مع هذه الأداة ، فقديما كان الرجل يتقلد أقرابه يوميا ولا يفارقه أبدا . غير أنه مع تطور الحياة بدأ استعماله يقل حتى أضحى يقلد يوم السوق فقط أوأثناء السفر أو في مهمة خارج القرية . لقد كان أقراب رمزا للسخاء والعطاء والجود والكرم ، كم كنا نترقب ، ونحن صغار ، أصحاب “اقرابن ” ليمنحونا الحلوى أ و بعض النقود . لقد منحت هذه الحقيبة ميزة للرجل الامازيغي فكانت عنوان رجولته وشهامته كما تدل على مستواها الاجتماعي . وعندما يعود الرجل من أعماله الى البيت ينادي على الزوجة بكل نخوة واباء وعزة النفس قائلا : ” أكلن اقراباد ” والتي تعني ” علقي هذه الحقيبة “. ولا تملك الزوجة الا ان تطيع زوجها وتنفذ أوامره ، ولا تتجرأ على تفتيشه أو النظر الى ما بداخله . انه من ذكريات الزمن الجميل ، زمن الخير والعطاء والكرم. أما اليوم فحقيبة الرجل صغيرة محتقرة ، نعم قد تكون ممتلئة بالنقود ولكن اي نقود…؟ نقود بلا قيمة ولا ذوق ولا معنى ، نقود لا تجلب السعادة ولا تدفع الشقاء . بالامس لم تكن النقود ولكن كان كل شيء واليوم حضرت النقود وغاب كل شيء . ومما يحز في النفس أن ” أقراب ” الذي كان الى وقت قريب من رموز حضارتنا وتراثنا أضحى من الاكسسوارات التي تزين المتاحف بعدما بعناه كما بعنا كل تراثنا بأبخس الأثمان وأصبحنا نؤدي التذاكر للدخول للمتاحف لإلقاء نظرة على ما كان بالأمس ملك لنا.