طاعة الوالدين بين الأمس واليوم
مع التطور السريع الذي بدأت تعرفه القرية المغربية شأنها في ذلك شأن المدن ، بدأنا نلمس تقهقر بعض القيم الأساسية التي تربينا عليها وألفناها بل اعتبرناها من التوابث التي لا محيد عنها ، وكنا نخاف ما يمكن أن يترتب عنها من عقاب وسخط إلهي ، ومن هذه القيم " رضاة الوالدين".
كانت مكانة الوالدين تصل مقام الأولياء والصالحين ولم يكن الابن يجرأ على التلفظ ببنت شفة أمام الوالدين كما لا يقدر على توجيه النظر إليهما ليس خوفا إنما إجلالا واحتراما وتقديسا ، وكانت كلمة الوالد بمثابة دستور للأسرة لا قرار إلا قراره ولا رأي إلا رأيه ، وكان ذلك من عوامل تماسك الأسر واستقرارها ونجاحها في أداء مهمتها ودورها في التربية .
كان الأبناء يحترمون قرارات الآباء ، رغم أنها لم تكن دائما صائبة ، وذلك طمعا في نيل رضاهما وخوفا من سخطهما وإغضابهما ، وعملا بالمقولة المشهورة " أينا سكرن الوالدين الا كيس الخير " ، إنها الطاعة المطلقة المبنية على الإيمان الصادق والثقة بالله تعالى الذي أوصى بالوالدين طاعة وخيرا .
كانت الأم هي التي تختار العروس لابنها فيقبل ولا يتردد ، وكان الأب يختار العريس المناسب لابنته فتوافق ولا ترفض ، انه التفويض التام من الأبناء للوالدين أصحاب التجارب والخبرات .
لم يكن الطعام يوضع على المائدة إلا بحضور الوالدين ولا يسبقهم احد في الأكل، ولا صوت يعلو في البيت إلا صوت الوالدين ، لا حركة ولا سكون إلا بإذنهما .
وقد يصبح الأبناء آباء لكنهم يظلون دائما تحت كنف الوالدين خاضعين لهم وملتزمين بتعاليمهم ومستنيرين بهديهم وتوجيههم ، وهؤلاء الأبناء يربون أبناءهم على احترام الأجداد وتقديرهم فيصيرون خير خلف لخير سلف .
هكذا كان تعامل أسلافنا مع الوالدين ، تعامل كله احترام وتقدير وحب ، إن مثل هذه القيم الاجتماعية بدأت تغيب عن مجتمعاتنا وبدأت تحل محلها قيم غريبة عن حضارتنا وعاداتنا ، فصار الآباء غرباء بين أولادهم ، وفي بيوتهم ، وصاروا ينعتون بالمتخلفين والجاهلين وغير ذلك من الصفات المتدنية التي لا تليق بمقامهم ، كما ظهرت سلوكيات أخرى أقل ما يقال عنها أنها سيئة كالانعزال عن الوالدين والتنكر لهم بل والتخلي عنهم والزج بهم في دور العجزة والخيريات ليتفرغ الأبناء لطلبات الزوجات وإغراءاتهن .
ابراهيم صريح